في لقاء جمع وزير الخارجية أسعد الشيباني بعدد من السوريين والسوريات المغتربين في شباط على هامش مؤتمر باريس بشأن سوريا، طُرحت قضايا سياسية مختلفة، لكن هل طُرحت الأسئلة الحقيقية على الوزير بالفعل؟ تلك التي تعكس معاناة مئات الآلاف من السوريين في الشتات، وتفضح استغلالهم المالي من قبل السفارات السورية تحت إشراف حكومته؟

حين يجتمع مسؤول مع المغتربين، يُفترض أن يكون اللقاء فرصة لطرح القضايا الحقيقية التي تمس حياتهم. لكن، هل سأل أحد وزير الخارجية عن معاناة مئات الآلاف من السوريين والسوريات في أوروبا، ممن يعيشون تحت تهديد دائم بالترحيل بسبب انتهاء صلاحية وثائقهم؟ هل طُرحت أسئلة عن السفارات السورية التي ما زالت تعمل بنفس العقلية القديمة لا بل بنفس الطاقم القديم الذي هو امتداد للنظام السابق؟ هل طالب أحد بتغييره؟ هل أخبره أحد أن كثيراً من السوريين في فرنسا – ممن يحملون الجنسية أو الإقامة – رفضوا تسجيل أطفالهم المولودين في فرنسا وغيرها من دول أوروبا، لأنهم يدركون أن كل يورو يُدفع يذهب إلى خزائن النظام؟ لكنهم الآن مطالبون بدفع رسوم تأخير باهظة لتسجيل أطفالهم بعد سقوط النظام!

عشرات الآلاف من السوريين في أوروبا رفضوا تسجيل أطفالهم المولودين هناك، لأن أي مبلغ يُدفع لهذه السفارات كان يعني تمويل النظام السابق. الآلاف رفضوا تجديد جوازاتهم، لأن الرسوم المفروضة عليهم لم تكن سوى وسيلة لتمويل القمع والاستبداد. لكن، وبعد سقوط النظام، تطالبهم السفارات بدفع رسوم تأخير كبيرة لتسجيل أطفالهم وأخرى لتجديد جوازات السفر. كأن على اللاجئ دفع ثمن تهجيره مرتين! فلم تكف آلاف الدولارات التي دفعوها ليصلوا إلى شواطئ أوروبا عبر قوارب الموت ليصبحوا اليوم مطالبين بدفع آلاف أخرى للعودة أو حتى للحصول على أوراق ثبوتية!

اليوم، بعد كل التغيير الحاصل، يتوجه السوريون لاستخراج جوازات جديدة، فيجدون نفس التسعيرة الباهظة التي فرضها النظام السابق، متذرعين بالحجج القديمة إياها: “هذه الأموال ستذهب لإعمار البلد”! إعمار البلد على حساب من؟ على حساب اللاجئين الذين خرجوا منه قسرًا؟ على حساب من بالكاد يكفي راتبه الشهر؟ هل من لديه ستة أفراد في عائلته عليه “بيع كليته” فقط ليحصل على وثائق سفر؟ كما قال لي أحد اللاجئين.

اليوم، يجد اللاجئون والمغتربون أنفسهم بين خيارين أحلاهما مُرّ: إما دفع مبالغ باهظة تفوق قدرتهم، أو مواجهة خطر الترحيل وفقدان الاستقرار الذي سعوا إليه بعد سنوات من الحرب والتهجير. في العديد من الدول الأوروبية، انتهاء صلاحية جواز السفر يعني فقدان الإقامة، وهو ما يضع آلاف الأسر في دائرة الخطر. فكيف لمن لديه عائلة مكونة من خمسة أو ستة أفراد أن يدفع آلاف اليوروهات فقط لتجديد الجوازات؟ كيف يمكن لعامل بالكاد يغطي نفقاته أن يجد هذا المبلغ الهائل؟

بدلًا من أن تبحث الحكومة السورية الحالية عن حلول حقيقية لتوفير السيولة النقدية، تقوم بتحميل المغتربين واللاجئين كلفة إعادة إعمار البلد! إعادة الإعمار يجب أن تكون مسؤولية الدولة، عبر التفاوض مع الدول الكبرى، واستقطاب المشاريع والاستثمارات ورؤوس الأموال الضخمة، أن تجد حلولًا حقيقية لإعادة الإعمار، لا أن تلقي العبء على أكتاف المهاجرين الذين عاشوا الغربة قسرًا وتحملوا مخاطر وآلام اللجوء!

ما يحدث ليس مجرد مشكلة فردية، بل أزمة تمس مئات الآلاف ممن يعيشون في أوروبا وتركيا ولبنان وأماكن أخرى، مهددين في أي لحظة بفقدان حقهم في الإقامة بسبب قوانين الهجرة الصارمة، والتي ترتبط بشكل مباشر بتوفر وثائق سارية المفعول. إن لم يكن هناك تغيير حقيقي في سياسات السفارات وإعادة النظر بالرسوم المطلوبة من اللاجئين والمغتربين فإن مستقبل هؤلاء الأشخاص وأطفالهم في خطر. هذه ليست مجرد قضية إدارية، بل قضية تمس حياة ومستقبل أجيال بأكملها ولا يجب تجاهلها.