المواطنة والاختلاف والعقد الاجتماعي: من الرعية إلى المواطن

بقلم: بسام القوتلي

في مجتمعاتنا، لطالما ارتبط مفهوم الوطن بالتضحية والانتماء، لكن نادراً ما طُرح سؤال جوهري: أيهما يأتي أولاً، الوطن أم المواطن؟
نشأنا على حب الوطن، لكننا لم نترب على فهم ماهية المواطن. كنا نعتبر “رعية”، لا أصحاب حقوق، وكان حب الوطن يعني الولاء لقائده، باعتباره الضامن الوحيد لبقاء الدولة.
لكن ماذا لو قلبنا المعادلة؟ ماذا لو بدأنا الحديث عن “المواطن” لا “الرعية”؟
فالوطن بلا مواطن ليس سوى جغرافيا وعلم ورموز. كما أن المسكن بلا سكان ليس الا بيت فارغ. المواطن هو من يمنح الوطن معناه، بانتمائه إليه، واعتباره رموزه جزءاً من هويته.

من القدر إلى الخيار
في كثير من الأحيان، لا يكون الوطن خياراً، بل قدراً. يولد الإنسان في مكان لا يملك مغادرته، فيتأرجح شعوره بين الامتنان والنقمة. ومع هذا الشعور، تبدأ الأسئلة: ما هو الوطن؟ ماذا يعني لي؟ وتختلف الإجابات باختلاف التجارب.
لكن حين تتاح فرص السفر والهجرة، يتحول الوطن إلى خيار. هل أبقى أم أرحل؟ هل أعود أم أستقر في مكان آخر؟ هل أنتمي لوطن جديد؟
هنا، يصبح الانتماء قراراً، لا قيداً. وتبدأ العلاقة بين المواطن والوطن في التشكل على أسس جديدة، تتجاوز الجغرافيا إلى القيم والمصالح.

إدارة الاختلاف: من القمع إلى الحوار
هذا التنوع في الانتماءات والمواقف يولد اختلافات، سرعان ما تتحول إلى مطالب. وهنا تبرز الحاجة إلى آليات لإدارة هذا الاختلاف.
بعض الأنظمة، مثل نظام الأسد في سوريا، اختارت كبت هذه الاختلافات بالقوة. لكنها، مع الوقت، فقدت مرونتها وتحولت إلى أنظمة قمعية، ما أدى إلى انفجارات اجتماعية، كان أبرزها الثورة السورية.

الديمقراطية كأداة لا كغاية
الديمقراطية ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لإدارة النزاعات. هي التي تنقل الصراع من الشارع إلى المؤسسات، ومن العنف إلى الحوار والتصويت. لكنها تحتاج إلى ضوابط، لا تُبنى على رغبة الأغلبية فقط، بل على مصلحة عامة تحمي الجميع.

العقد الاجتماعي: أساس الديمقراطية
هنا يأتي دور العقد الاجتماعي، الذي يُبنى عبر حوار واسع بين مكونات المجتمع: طوائف، أعراق، مناطق، مهن، أحزاب، جمعيات…
هذا الحوار يحدد:
•⁠ ⁠ما يُحسم بالتصويت وما يُعتبر من الحريات الأساسية.
•⁠ ⁠ما الذي تنظمه الدولة وما يُترك للمجتمع.
•⁠ ⁠العلاقة بين حقوق الفرد والجماعة.
•⁠ ⁠حدود تدخل الدولة وحدود حرية المواطن.
•⁠ ⁠وهل العقد الاجتماعي ثابت أم قابل للتغيير؟

نحو وطن اختياري
في بلد أنهكته النزاعات، ويحتاج إلى بناء منظومة مختلفة لا تعيد إنتاج الصراعات بآلياتها المدمرة، فإن أشد ما نحتاج إليه هو ديمقراطية نابعة من عقد اجتماعي متين تخلق وطناً اختيارياً، يعبر عن مصالح مواطنيه، ويجعل الدفاع عنه خياراً منطقياً لا واجباً مفروضاً. وطناً نفخر بالانتماء إليه لأننا ساهمنا في بنائه، لا لأننا وُلدنا فيه فقط. وطناً يمثلنا بكل اختلافاتنا وتنوعنا.

مقالات مشابهة