رفع العقوبات عن سوريا: فرصة ذهبية أمام الشرع!

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في خطاب ألقاه في العاصمة السعودية الرياض يوم الثلاثاء في الثالث عشر من أيار/ مايو الجاري، عن نيته رفع العقوبات عن سوريا، مستجيبًا بذلك لطلب الملك السعودي محمد بن سلمان، حيث قال ترامب إنه لا يستطيع أن يرفض له طلبًا. هذه الخطوة جاءت بعد وساطات دبلوماسية، قادتها السعودية وتركيا بشكل رئيسي، نظرًا للعلاقات الوثيقة التي يتمتع بها كل من الملك السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ومن الواضح أن ترامب قد قبض ثمنها بصفقات سخية مع السعودية ووعود ببناء برج ترامب في دمشق.

معادلة “س-ت” الجديدة

هذا التقارب والتقاسم للنفوذ يكرّس معادلة “س-ت” (سعودية-تركيا)، التي قد تشكل اليوم محورًا جديدًا للتأثير في الملف السوري، على غرار معادلة “س-س” (سوريا-سعودية) التي كانت قائمة في لبنان سابقًا. تلك المعادلة اللبنانية، التي هدفت إلى احتواء حزب الله وتحقيق توازن داخلي، انتهت بتوترات حادة وأحداث دموية في 7 أيار، عندما انقلب الحزب على شركائه في السلطة، متجاوزًا الخطوط الحمراء التي رسمتها القوى الإقليمية بما فيها حلفاؤه.

فهل يمكن أن يشهد المشهد السوري اليوم تكرارًا لهذه الديناميكية؟ هل سيبقى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع ملتزمًا بتعهداته تجاه داعميه الجدد، أم أنه قد يجد نفسه يومًا ما في موقف مشابه لحزب الله، يحاول توسيع نفوذه وفرض إرادته على حساب باقي المكونات المجتمعية بالقوة؟ وهل ستبقى السعودية وتركيا متفقتين على رؤية واحدة للمستقبل السوري، أم أن تباين المصالح بينهما قد يظهر مع مرور الوقت؟

اختبار الولاء أم فرصة للبناء؟

قرار رفع العقوبات، رغم كونه مطلبًا وطنيًا قد يخفف بعض المعاناة عن الشعب السوري، لكنه ليس مكافأة مجانية. كما أشار ترامب في خطابه بوضوح: “اجعلونا نرى شيئًا خاصًا من أجل مستقبلكم.” هذه العبارة تلخص توقعات واشنطن وحلفائها من القيادة السورية الانتقالية. المطلوب إصلاحات سياسية واقتصادية ملموسة، والتزام بمسار ديمقراطي تشاركي حقيقي يعيد ثقة الداخل والخارج في قدرة سوريا على النهوض من جديد.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو: هل سيكون رفع العقوبات جزءًا من صفقة شاملة تتضمن استثمارات سعودية تركية أميركية تتقاسم إعادة إعمار سوريا؟ وهل سيتحول هذا التحالف الثلاثي إلى شراكة استراتيجية طويلة الأمد، أم أنه مجرد تحالف مؤقت يتلاشى مع تغير المصالح الإقليمية والدولية؟ وهل ستقود هذه التوافقات إلى رفع اسم الرئيس السوري ووزير خارجيته وآخرين من الإدارة الانتقالية عن قوائم الإرهاب؟ أم أن ثمن ذلك سيدفع عبر اتفاقية تنازل وسلام مع إسرائيل؟

دور فرنسا في المعادلة

بعد زيارة الشرع الأخيرة إلى فرنسا وحصوله على تعهد من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمساعدة سوريا على رفع العقوبات الأوروبية، يأتي تصريح ترامب برفع العقوبات الأميركية كمؤشر على تحولات جذرية في المشهد السياسي. فرنسا، التي كانت حتى وقت قريب تتبنى مواقف أكثر تشددًا تجاه الشرع، قد تكون الآن جاهزة للعب دور أكبر في دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في سوريا، خاصة إذا رأت في ذلك فرصة لتوسيع نفوذها في شرق المتوسط.

لكن هل ستدعم باريس مسارًا شاملًا نحو العدالة الانتقالية والمحاسبة، أم أنها ستكتفي بمواقف رمزية تضمن لها نفوذًا اقتصاديًا في مرحلة إعادة الإعمار؟

التحديات الاقتصادية والسياسية

في حال كان رفع العقوبات جزءًا من صفقة اقتصادية، فإن ذلك يضع الإدارة الانتقالية أمام تحديات معقدة. إعادة إعمار سوريا تتطلب استثمارات هائلة في البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والصناعة، والزراعة، وهي مجالات تضررت بشدة خلال سنوات الصراع.

السعودية وتركيا، كقوتين اقتصاديتين إقليميتين، قد تكونان قادرتين على تقديم الدعم المالي والتقني المطلوب، ولكن ذلك لن يكون دون مقابل. مثل هذه الاستثمارات قد تعني تقديم تنازلات سياسية أو اقتصادية، مثل منح الشركات السعودية والتركية حصة كبيرة في مشاريع إعادة الإعمار، أو فتح السوق السورية بشكل واسع أمام رؤوس الأموال الأجنبية، مما قد يعيد تشكيل الاقتصاد السوري بشكل جذري على حساب الرأسمال السوري التقليدي.

معركة النفوذ والمصالح

إضافة إلى ذلك، يجب على إدارة الشرع أن تكون واعية لحساسية التوازنات الإقليمية. دخول السعودية وتركيا على خط إعادة الإعمار قد يثير قلق قوى إقليمية أخرى، مثل إيران وروسيا، اللتين قدمتا دعمًا كبيرًا للنظام السوري السابق في فترات حرجة ومن الصعب أن تقبلا بالواقع الجيوسياسي الجديد وربما تسعيان لزعزعة الاستقرار، فهل تستطيع إدارة الشرع التعامل مع هذا الملف بحذر، دون خسارة دعم شركائها التقليديين؟

القرار الآن في ملعب إدارة الشرع

في النهاية، أصبحت الكرة اليوم في ملعب إدارة الشرع. التحدي يكمن في قدرته على تحويل رفع العقوبات إلى فرصة سياسية واقتصادية حقيقية، واستثمار هذه الخطوة في إعادة إعمار سوريا، وليس مجرد استراحة مؤقتة في ظل ضغوط دولية متزايدة.

رفع العقوبات هو بداية طريق طويل، يتطلب من إدارة الشرع التحلي بالحكمة والمرونة لتحقيق التغيير المنشود، مع الحرص على عدم تكرار أخطاء الحكم الماضي التي أدت إلى عزلة سياسية واقتصادية خانقة. خاصة وأن ملفات حساسة ما زالت مفتوحة دون حل، مثل ملف الكورد ومناطق سيطرة قسد، وملف مجازر الساحل، وملف العلاقة مع الدروز.

فهل سيكون الشرع قادرًا على إدارة هذا التحول بحنكة؟ هل سيوسع المشاركة السياسية ويكبح جماح الفصائل المنتشية بالنصر، أم أنه قد يجد نفسه في مواجهة أزمة جديدة، تشبه في تعقيدها الحالة اللبنانية؟

إذا تمكن الشرع من استثمار هذه الفرصة بتحسين الواقع الاقتصادي بالدرجة الأولى للشعب السوري، وإعادة فتح حوار وطني حقيقي مع كافة المكونات السورية، وتوسيع المشاركة في صنع القرار، والبدء بمسار العدالة الانتقالية، فإنه سيكون مؤسس الدولة السورية بحق. لكن علينا أن ننتظر ونرى النتائج والأفعال على الأرض قبل أن نرقص فرحاً بنصر لم يكتمل بعد.

الصورة: رويترز

مقالات مشابهة