في كثير من الأحيان، يتعامل بعض الأفراد أو المؤسسات مع مشكلة واضحة وكأنها غير مفهومة، رافضين الاعتراف بحقيقتها، ومُصرّين على تبريرها بأساليب متعددة. هذه الظاهرة تُعرف باسم “نظرية الحصان الميت”، وهي استعارة ساخرة تعكس كيف يمكن للناس أن يتجاهلوا الواقع بدلاً من مواجهته. الحكمة القديمة تقول: إذا اكتشفت أنك تركب حصانًا ميتًا، فإن أفضل استراتيجية هي النزول عنه. لكن في واقعنا السوري، يبدو أن البعض لا يزال يرفض النزول، بل يستمر في تجميل الجثّة وإقناع نفسه بأنها لا تزال تتنفس
بين الإنكار والتبرير: من يدفع الثمن؟
في سوريا، هناك من لا يزال يتعامل مع مأساته وكأنها مجرد “ترند” أو نكتة تُلقى هنا وهناك، متناسيًا أن خلف كل مأساة هناك دمعة لم تجف، وأم لم تعرف النوم منذ اعتقال ابنها أو قتله، وعائلة هجّرت من بيتها الذي كان يومًا ما ملاذًا آمنًا… من يملك الجرأة ليبرر مجازر صيدنايا التي ابتلعت آلاف الأرواح؟ من يستطيع أن يجد تفسيرًا منطقيًا لجرائم النظام الأب أو الابن؟
إذا كانت ديمة سعد الدين، الفتاة ذات العشرين عامًا، تُتهم بالعمالة لإسرائيل، فماذا عن كريم أسامة الترجمان، الطفل الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره؟ هل كانت جريمته البكاء طلبًا للحلوى، أم أنه أراد لعبة لم يستطع والده شراءها له؟ من يستطيع أن يبرر اعتقال كريم وغيره من الأطفال الأبرياء؟ وإذا أغلقنا أعيننا عن هذه المأساة، فماذا عن طفولتنا وشبابنا الضائع؟
حياةٌ مسلوبة، وحقوقٌ لا تقبل السخرية
لقد سُلبت منا أبسط حقوقنا: أن نعيش بلا خوف، أن نلتقي بعائلاتنا دون أن نحمل في قلوبنا رعب الفقد، أن نحلم بمستقبل لا يبتلعه الظلم والدماء. ورغم ذلك، هناك من يختزل هذه المأساة في منشور ساخراً أو تعليق لا مبالٍ، وكأننا لم نفقد إخوة وأصدقاء، وكأننا لا نعرف إن كانوا أحياء أم أرقامًا على لائحة الموت.
كيف يمكن لإنسان أن يسخر من سنوات القهر والمنفى والحرمان؟ كيف يمكن تحويل قاتلٍ إلى نكتة متداولة بين الناس؟ هل أصبح الألم ترفًا لا يستحق أن نأخذه على محمل الجد؟
الذاكرة التي لا تموت
الواقع السوري ليس مجرد مشهد عابر في مسلسل أو قصة تُحكى على وسائل التواصل الاجتماعي. إنه جرح مفتوح، يُنزف كل يوم مع كل شهيد، مع كل طفلٍ وُلد في الغربة ولم يعرف حضن وطنه، مع كل أمٍّ علّقت صورة ابنها على جدار الذكرى لأنها تعلم أنه لن يعود. هذا الواقع ليس شيئًا يمكن تبريره أو الالتفاف عليه، بل هو وصمة عار يجب أن تبقى محفورة في الذاكرة الجماعية، حتى لا يتكرر الظلم، وحتى لا يصبح القاتل بطلًا في رواية كاذبة.
وفي الختام …
أين الضمير ؟!
في ظل هذا الواقع، من الواجب علينا ألا ننسى دماء شهدائنا، ولا حجم الظلم الذي عاشه السوريون، من الأطفال للكبار. كيف يمكن لإنسانٍ أن يتناسى ماضيه ومعاناته ويتعامل مع قضيته وكأنها لم تكن
ان الوعي بحجم المأساة وتحمل المسؤولية تجاهها هو الخطوة الأولى نحو بناء مستقبل أكثر عدلاً، حيث لا يكون الظلم مجرد ذكرى قابلة للتبرير أو التجاهل
إن استمرار البعض في إنكار الواقع أو التعامل معه بروح السخرية لن يغير شيئًا من الحقائق، لكنه قد يزيد من عمق الجرح ويؤخر لحظة العدالة