لطالما كانت الدراما انعكاسًا لواقع المجتمعات، تعبّر عن هموم الناس وتنقل قصصهم للعالم. في الحالة السورية، مثّلت الأعمال الدرامية التي تناولت قضايا النساء خلال سنوات الثورة السورية نافذة مهمة لفهم معاناتهن، تطلعاتهن، والتحديات التي واجهنها.
عبر السنوات الماضية، لعبت المرأة السورية دورًا محوريًا في الحراك الشعبي، فكانت ناشطة، إعلامية، عاملة إغاثة، ومقاتلة أحيانًا، ورغم ذلك، بقي تمثيلها في الدراما محدودًا أو مشوّهًا في كثير من الأحيان. القليل من الأعمال استطاعت أن تبرز معاناتها الحقيقية في ظل القمع، النزوح، والانتهاكات، إلى جانب نضالها المستمر للحفاظ على حريتها وحقوقها.
لكن مع سقوط النظام، تواجه المرأة السورية تحديات جديدة، إذ تحاول بعض الجهات إعادة فرض أدوار تقليدية عليها، وتهميش إنجازاتها التي حققتها خلال الثورة. لذا، يصبح إنتاج دراما سورية تعكس واقع النساء بصدق وأمانة ضرورة ملحّة، ليس فقط لتوثيق الأحداث، بل أيضًا لتشكيل وعي جمعي يرفض محاولات التهميش، ويدعم دور المرأة في سوريا الجديدة.
إن إنتاج أعمال درامية ذات مستوى فني عالٍ، تروي قصص النساء السوريات من منظور واقعي وإنساني، هو مسؤولية ثقافية وأخلاقية. فالفن قادر على تحفيز النقاش المجتمعي، وتغيير الصور النمطية، وتعزيز دور المرأة كشريك أساسي في بناء مستقبل سوريا الديمقراطية.
سابقا كان هناك العديد من الأعمال الدرامية السورية التي تناولت قضايا المرأة بمستويات مختلفة من العمق والواقعية. بعضها قدّم صورة تقليدية، بينما حاولت أخرى تسليط الضوء على معاناة المرأة وتحدياتها الاجتماعية والسياسية.
بعض الأعمال الدرامية تناولت قضايا المرأة بشكل عميق وناقد مثل مسلسل “غداً نلتقي” حيث تعددت النماذج التي طرحها العمل الذي ابتعد عن النموذج النخبوي للمرأة القوية التي عادة ما تأخذ دور محامية أو كاتبة أو صحفية ليظهر نساء حقيقيات يصارعن ظروف التهجير القسري ويناضلن من أجل البقاء.
بينما يذهب “قلم حمرة” (2014) إلى عتمة المعتقلات ليعرض قضايا المرأة السورية خلال الثورة، من خلال شخصية كاتبة تتعرض للاعتقال، ويبرز معاناتها في ظل القمع السياسي والاجتماعي والتناقضات التي تعيشها النساء في بلد متعدد المشارب كسوريا.
وإذا ما عدنا قليلاً إلى ما قبل الثورة نجد مسلسل “ليس سرابًا” (2008) الذي طرح قضية تحرر المرأة وصراعها مع العادات والتقاليد، وحقها في الحب والحرية الفكرية بينما ذهبت أعمال أخرى إلى تسليط الضوء على العنف ضد المرأة مثل مسلسل “حياة مالحة” (2011) الذي يروي قصص نساء يعانين من العنف الأسري والظلم الاجتماعي، ويركّز على النضال النسوي لتحقيق العدالة. ومسلسل “تعب المشوار” (2011) الذي يناقش قضايا الطلاق، العنف الأسري، والخيانات الزوجية، مقدّمًا رؤية نقدية للمجتمع.
وبالطبع كان للمرأة دور في المسلسلات التاريخية التي تناولت وضع المرأة في حقب زمنية مختلفة مثل مسلسل “سيرة الحب” (2007) الذي يتناول وضع المرأة في المجتمع السوري خلال النصف الأول من القرن العشرين، وقصص كفاحها لنيل حقوقها. ومسلسلات الشخصيات التاريخية على قلتها مثل “العبابيد” (1997) الذي تمحور حول تحدي زنوبيا ملكة تدمر لإمبراطورية روما.
بينما ساهمت مسلسلات البيئة الشامية في تكريس صورة المرأة التقليدية مثل مسلسل “الخوالي” (2000) و”باب الحارة”(2006-2019). إذ رغم شعبيتهما الكبيرة، غالبًا ما قدّما صورة نمطية للمرأة السورية، باعتبارها خاضعة للسلطة الذكورية، مع وجود شخصيات نسائية قوية ولكنها نادرة.
اليوم ومع التحولات العميقة التي مرت بها سوريا، أصبح من الضروري إنتاج دراما أكثر واقعية، تسلّط الضوء على دور المرأة السورية خلال الثورة وما بعدها، خاصة في ظل محاولات تهميشها وإقصائها من المشهد السياسي والاجتماعي. إذ تحتاج الدراما السورية إلى إعادة التفكير في كيفية تقديم صورة المرأة، بعيدًا عن القوالب الجاهزة، وبما يعكس نضالاتها وتضحياتها الحقيقية ويوثق دورها الريادي في كافة مراحل الثورة وما بعدها.