لم يعد المشهد الاقتصادي في سوريا مجرد أزمة مؤقتة أو عثرة عابرة، بل تحول إلى كارثة مستمرة تنهش يوميًا في حياة الملايين، حيث تتزايد أعداد المسرحين من وظائفهم بشكل مرعب، دون أن يجد هؤلاء أي فرصة للعودة إلى سوق العمل، في ظل قطاع خاص منهك، واستثمارات غائبة، وركود يبتلع أي محاولة للنجاة.
إن من يقرر تسريح العمال يدرك تمامًا أنهم لن يجدوا عملاً بديلاً، ومع ذلك تستمر موجات الفصل بوتيرة متسارعة، وكأن الفقراء هم فقط وقود الأزمات وكبش الفداء الدائم للقرارات العشوائية. في المقابل، لا يتأثر المسؤولون والمدراء المدعومون، الذين يملكون القدرة على اتخاذ هذه القرارات، فلا يمسهم خطر البطالة ولا تهديد الجوع، بل يواصلون إحكام قبضتهم على ما تبقى من موارد وفرص.
النساء المسرحات يواجهن واقعًا أشد قسوة، فحتى لو وجدت بعض الوظائف، فإن سوق العمل في سوريا بات أكثر انغلاقًا أمام النساء، حيث يتم استبعادهن لأسباب اجتماعية واقتصادية، مما يفاقم معاناتهن ويضعهن في مواجهة الفقر والعوز دون أي حلول.
أما الموظفون الذين كانوا يتمتعون بضمان صحي، فقد أصبحوا عاجزين حتى عن شراء أبسط الأدوية، في وقت ارتفعت فيه تكاليف العلاج إلى مستويات فلكية. كذلك، أولئك الذين كانوا يسكنون في مساكن وظيفية بتكاليف أقل من أسعار السوق، يواجهون اليوم خطر التشرد، حيث بات عليهم إخلاء هذه المنازل دون أن يكون لديهم بديل سوى الشارع.
وفي خضم هذا المشهد القاتم، تتوقف ورش العمل والمشاريع الخاصة، فتنهار معها مهن مثل الدهان، والصيانة، والبناء، والترميم، مما يزيد من أعداد العاطلين عن العمل ويعمّق الأزمة. وبينما تجبر قلة السيولة والتضخم الناس على التوقف عن شراء حتى احتياجاتهم الأساسية، يزداد تساؤل السوريين: بمن يستقوي أصحاب القرار في كل هذا الخراب؟
لقد أصبحت السياسات المتبعة لا تعكس فقط فشلًا اقتصاديًا، بل تكشف عن نكران تام للمسؤولية الأخلاقية للدولة تجاه مواطنيها. إن الدولة ليست مجرد جهاز إداري أو قوة قمعية، بل هي مسؤولة أولًا عن شعبها، عن كرامته، وعن توفير الحد الأدنى من العيش الكريم له. التضحية بالفقراء ليست حلاً، بل هي جريمة بحق الوطن قبل أن تكون جريمة بحق الأفراد.
إذا غاب المنطق والضمير، فإن أبسط قواعد العدل الشعبي تقول: “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”. فهل ستستمر الدولة في معاملة شعبها كأعداء وغزاة؟ أم آن الأوان لأن تخاف الله في مواطنيها وتدرك أن الشعب هو كرامتها، لا عبء عليها ولا عار؟ وهل هي على استعداد لمواجهة ثورة الجياع أم أن الوعود ستملأ البطون الفارغة؟