على مدار العقود الأخيرة، أصبح استهداف السياسيات من خلال تسليط الضوء على جوانب حياتهن الخاصة وخياراتهن الشخصية ظاهرة متكررة، تُستخدم أحيانًا كأداة لإضعاف مكانتهن السياسية وإعادة تأكيد الصور النمطية التقليدية المرتبطة بالأنوثة. في حين أن العمل السياسي يُقيم عادة على الكفاءة والإنجازات، تُحوّل الانتقادات الموجهة للسياسيات النقاش بعيدًا عن السياسات والقرارات إلى تفاصيل شخصية لا تمت بصلة للمسؤوليات القيادية. يستعرض هذا المقال الأسباب وراء هذه الظاهرة، أمثلة من العالم العربي والعالمي، ونظرة مفصلة لطبيعة تلك الانتقادات.

الجذور والأسباب
ترتكز الانتقادات الموجهة للسياسيات على معايير اجتماعية وثقافية متجذرة في النظم الأبوية التي تُفرّق بين “العام” و”الخاص”. ففي حين يُقيّم العمل السياسي بناءً على الإنجازات والكفاءة، يُفرض على المرأة الالتزام بمعايير شخصية وجمالية صارمة. هذا التباين يؤدي إلى تحويل التركيز من السياسات الوطنية والإصلاحية إلى تفاصيل مثل أسلوب اللباس، مظهرها الخارجي، وطريقة تواصلها، مما يسمح للنقاد بإعادة تأطير صورة المرأة السياسية على أنها غير ملائمة لأدوار القيادة.

أمثلة من حول العالم:
نجلى بودن (تونس):
عند تولّي نجلى بودن منصب رئيسة الوزراء في تونس، واجهت موجة من الانتقادات التي تجاوزت تقييم سياساتها وخططها الإصلاحية. فقد تم تسليط الضوء على تفاصيل مظهرها واختياراتها الشخصية بدلاً من تقييم إنجازاتها وإسهاماتها في قيادة الدولة، مما أبرز التباين بين المعايير المفروضة على النساء والرجال في الساحة السياسية.

حنان عشراوي (فلسطين):
تُعتبر حنان عشراوي من الوجوه المعروفة في السياسة الفلسطينية، حيث لعبت دوراً فعالاً في الحوار السياسي والإعلامي. ومع ذلك، لم تسلم من انتقادات تتعلق بأسلوبها الشخصي واختياراتها في اللباس وطريقة التعبير، وهو ما يهدف إلى تقويض مكانتها أمام الجمهور من خلال تسليط الضوء على تفاصيل حياتها الخاصة بدلاً من مساهماتها السياسية.

هيلاري كلينتون (الولايات المتحدة الأمريكية):
أثناء حملتها الانتخابية وبعدها، واجهت هيلاري كلينتون انتقادات مستمرة تركزت على مظهرها واختياراتها الشخصية، مثل طريقة اللباس وطريقة تقديم نفسها في المناسبات الرسمية وعلاقتها مع زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون. هذه الانتقادات لم تكن مجرد ملاحظات سطحية، بل استخدمت كأداة لإضعاف مصداقيتها وتقليل تأثيرها في المشهد السياسي الأمريكي.

بنظير بوتو (باكستان):
كونها أول امرأة تتولى منصب رئيس وزراء في باكستان، تعرضت بنظير بوتو لهجمات انتقادية تطرقت إلى جوانب من حياتها الخاصة، مثل علاقاتها الأسرية وقراراتها الشخصية. هذه الانتقادات ساهمت في تقويض مكانتها السياسية في بيئة كان من المتوقع فيها أن تتعامل المرأة مع الأدوار التقليدية حسب العادات والأعراف الاجتماعية.

طبيعة الانتقادات: تحليل تفصيلي
لا تقتصر الانتقادات على مجرد التعليق العام، بل تشمل عدة أبعاد وأدوات تُستخدم لإضعاف المصداقية السياسية للمرأة مثل التركيز على المظهر الخارجي واختيار اللباس، إذ يُعتبر تسليط الضوء على مظهر السياسيات واختياراتهن الجمالية أداة لإجبار المرأة على الالتزام بمعايير ضيقة. تُستخدم هذه الانتقادات لتشويه الصورة القيادية للمرأة، حيث يُطرح السؤال حول مدى “أنوثتها” أو “ملاءمتها” لتولي المناصب العليا وتكون ملابسها محط اهتمام الصحافة والناس بدل نشاطها وعملها ومنجزاتها.

كما يتم التركيز على أسلوب التواصل ونبرة الصوت لدى السياسيات أكثر بكثير من نظرائهم الرجال، إذ يُعاد تفسير الحزم والثقة بالنفس كصفات ذكورية سلبية، ما يُستخدم لتصويرهن كعدوانيات. أما إذا كانت ذات نبرة هادئة أو صوت ناعم فتصنف على أنها ضعيفة غير قادرة على القيادة. تُستغل هذه الانتقادات لتقليل قيمة إنجازات المرأة القيادية وإعادة تأكيد الأدوار النمطية.

تتضمن هذه الانتقادات أيضاً تسليط الضوء على تفاصيل من الحياة الشخصية للمرأة السياسية مثل القرارات الأسرية والعلاقات الشخصية، مما يُثير تساؤلات حول قدرة المرأة على الموازنة بين العمل السياسي ومسؤولياتها الخاصة. ويُستخدم هذا النوع من الانتقادات كوسيلة لتشويه الصورة العامة للسياسية وقياس كفاءتها بناءً على معايير غير مرتبطة بالقيادة.

كما تُستخدم أساليب السخرية والتنمر في وصف السياسيات بهدف تقليل من شأن إنجازاتهن وتحويل النقاش السياسي إلى محور الفكاهة والتعليقات الجارحة، مما يؤثر على صورة المرأة القيادية في وسائل الإعلام والعقول العامة.

ولا ننسى طبعاً المقارنة غير العادلة مع الرجال، إذ تُقارن السياسيات بمعايير مختلفة عن تلك المطبقة على نظرائهن الرجال، حيث يُفرض عليهن الالتزام بسلوكيات شخصية واجتماعية لا يُتوقع من الرجال الالتزام بها. هذا التفاوت يجعل تقييم أدائهن السياسي أكثر تعقيدًا ويضعهن تحت ضغوط إضافية لتبرير جوانب حياتهن الخاصة.

الآثار والتداعيات
إن استخدام التفاصيل الشخصية كأداة للانتقاد له عدة آثار سلبية أهمها تعزيز الصور النمطية حيث تؤدي هذه الانتقادات إلى ترسيخ فكرة أن قيمة المرأة تكمن في مظهرها أو سلوكها الشخصي بدلاً من إنجازاتها القيادية. وعندما يتحول الحوار السياسي إلى تفاصيل شخصية، يختفي التركيز عن القضايا الحقيقية التي تؤثر على السياسات الوطنية والتحديات المجتمعية. كما تؤثر مثل هذه الانتقادات على ثقة الجمهور في قدرة السياسيات على أداء مهامهن بفعالية واستقلالية، مما يضعف تأثيرهن في المشهد السياسي.

خاتمة
إن استهداف السياسيات من خلال تسليط الضوء على جوانب حياتهن الخاصة وخياراتهن الشخصية يمثل تحديًا حقيقيًا أمام مسيرة المساواة والتمكين السياسي. سواء كان ذلك في العالم العربي أو على الساحة الدولية، فإن استخدام معايير جندرية غير عادلة لتقييم المرأة القيادية يحول النقاش عن السياسات والإنجازات إلى تفاصيل سطحية لا علاقة لها بالكفاءة.
لذا بات من الضروري إعادة صياغة الحوار العام والتركيز على مؤهلات وإنجازات السياسيات، بعيدًا عن الانتقادات الشخصية التي تُستخدم كأداة لإعادة تأطير الصورة العامة للمرأة في السياسة. إن تحقيق ذلك يتطلب تغييرًا ثقافيًا شاملاً يُعيد تعريف العلاقة بين الحياة الخاصة والعامة، ويمنح السياسيات المجال لإظهار كفاءتهن وإسهاماتهن في بناء مستقبل أفضل.